أضحت منطقة المتوسط تعيش لحظات حرجة تتقاطع فيها الأزمات الإقليمية مع التحولات الدولية، ما يستدعي إعادة التفكير في أسس الجوار والتكامل بين دول ضفتي المتوسط.
هنا تبرز غزة، بكل ما تحمله من رمزية إنسانية وسياسية، كنقطة اختبار حقيقية لقدرة دول ضفتي المتوسط على تبني رؤية جماعية تضمن الأمن والاستقرار للجميع.
وبالتالي؛ إن ما يجري منذ أكثر من ٧٥ عاماً مضت في الأراضي الفلسطينية وما يجري اليوم في غزة تحديداً لا يمكن اعتباره شأناً محلياً معزولاً، بل أزمة ذات أبعاد إقليمية ودولية، تمتد آثارها عبر البحر، سواء عبر الهجرة أو تغذية الفوضى العارمة أو زعزعة منظومات التجارة والأمن مستقبلاً.
وفي ظل الحديث عن ممرات تجارية بديلة تسعى قوى كبرى كأمريكا والصين لتفعيلها عبر سواحل غزة، وجوارها تصبح المنطقة بؤرة تنافس جيوسياسي متقدمة، تُحتم على دول غرب المتوسط –مثل إسبانيا وإيطاليا واليونان– التعامل مع القضية الفلسطينية باعتبارها مكوناً حيوياً من معادلة استقرارهم الداخلي، من خلال تقديمها مقاربات أكثر حيوية وإقناع دول الإتحاد الأوروبي بذلك نظراً لوحدة المصير التي تربطها بهم.
لقد أثبتت التجربة أن استمرار الاحتلال وتجاهل الحقوق الفلسطينية، وفي مقدمتها حق العودة وتقرير المصير، لا ينتج سوى بيئات خصبة لزعزعة استقرار وأمن دول المنطقة لا سيما دول ضفتي المتوسط، بينما قد ينتج استمرار الممارسات اليمينية المتطرفة من قبل حكومة اسرائيل الحالية ظروفاً فوضوية تتغذى عليها جماعات متطرفة وليدة أو تيارات مهجّرة تبحث عن الأمان في الضفة الأخرى للمتوسط. هنا، يبرز دور دول غرب المتوسط ليس فقط في التنديد، بل في بلورة سياسة خارجية فاعلة داخل الاتحاد الأوروبي تضغط باتجاه وقف الانتهاكات الإسرائيلية ووضع حد للتفرد الأمريكي الذي يدير المنطقة وفق مصالحه الخاصة.
*تدعو هذه الورقة إلى مقاربة تقوم على أربع ركائز:*
أولاً: الاعتراف بالحقوق الفلسطينية الأساسية وفق قرارات الشرعية الدولية، وفي مقدمتها القرار 194.
ثانياً: تعزيز مسارات التعاون الإنساني والتنموي مع الفلسطينيين، بعيداً عن الاصطفافات السياسية.
ثالثاً: تفعيل دور دبلوماسي جماعي لدول غرب المتوسط يوازن بين مصالحها الذاتية ومبادئ العدالة.
رابعاً: مواجهة السياسات التوسعية والتوراتية المتطرفة في إسرائيل، التي تهدد بنشر فوضى لا يمكن احتواؤها.
*وعليه؛ فإن أمن المتوسط يبدأ من العدالة، وليس من التوازنات العسكرية. وإن تجاهل معاناة غزة وتحييد القضية الفلسطينية لن يحقق استقراراً دائماً، بل يفتح أبواباً لفوضى لا تعترف بالحدود.*
*ولهذا، فإن تحرّكاً أوروبياً مستقلاً ومسؤولاً هو حاجة ملحة ليس فقط لنصرة شعب فلسطين وغزة المحاصرة، بل لحماية مستقبل المتوسط من تهديدات عابرة تستبيح جميع دول المتوسط دون تنبؤ.*