قراءة وتقدير حول الأثر الاقتصادي لميزانية الدفاع الإسرائيلية 2026
05 Dec 2025

مقدمة


إعلان وزارة الدفاع الإسرائيلية عن ميزانية قدرها 112 مليار شيكل لعام 2026 — بما يعادل نحو 4.9٪ منالناتج المحلي الإجمالي المتوقع (2.28 تريليون شيكل وفق تقديرات OECD) — يعكس استمرار تموضعإسرائيل داخل نموذج اقتصاد الحرب بعد 7 أكتوبر 2023. هذا الإنفاق لا يعكس فقط الاستعداداتالعسكرية، بل يكشف عن تغيّر بنيوي في شكل الاقتصاد الإسرائيلي، وانزياحه عن قواعد النمو المدني التيلطالما كانت مصدر قوته.


تهدف هذه الورقة إلى تحليل التأثيرات الاقتصادية – المالية – الاستراتيجية لهذه النسبة المرتفعة منالإنفاق الدفاعي، مع قراءة انعكاساتها على استقرار إسرائيل، وقدرتها على تحمّل صراع ممتد، وعلىموقعها في البيئة الإقليمية.


أولاًصدمة العجز المالي واتساع الدين العام


تشير الحسابات الأولية إلى أن تخصيص 112 مليار شيكل للدفاع في 2026 سيرفع العجز المالي إلى أحدأعلى مستوياته في تاريخ إسرائيل الحديث.

الحرب منذ 2023 خلقت عجزًا تجاوز المستويات المخطَّطة.

مع تكاليف الاحتياط الواسعة وإعادة التأهيل العسكري، من المتوقع أن تتجه إسرائيل إلى زيادةالاقتراض الداخلي والخارجي.


هذا الاتجاه يقود إلى تضخم أعباء خدمة الدين، ما يعني:

1. تقليص المساحات المالية مستقبلاً.

2. الضغط على القطاعات المدنية لصالح الأمن.

3. ارتفاع احتمالات خفض التصنيف الائتماني من جديد.


ثانياًمزاحمة القطاعات المدنية (Crowding Out)


الاقتصاد الإسرائيلي قائم على قطاعات مدنية عالية القيمةالتكنولوجيا، الصحة، التعليم، البنى التحتية،الابتكار الصناعي.

ارتفاع ميزانية الدفاع إلى 4.9٪ من الناتج المحلي يعني تحويل موارد كانت مخصصة للنمو المدني إلىصندوق الجيشالنتيجة المباشرة:

تراجع الاستثمارات الحكومية في الابتكار المدني.

تباطؤ مشاريع البنية التحتية.

تقليص في ميزانيات الصحة والتعليم.

إضعاف البيئة التكنولوجية التي تمثل أكثر من 18٪ من الناتج المحلي.


هذا التوجه يخلق اقتصادًا أحادي البُعد، يعتمد على الدفاع بدل التنويع الإنتاجي.


ثالثاًسوق العمل تحت عبء الاحتياط


وجود عشرات الآلاف من الجنود في الاحتياط — بما يقارب 40 ألف على مدار 2026 — يُحدث فجوةحقيقية في سوق العمل:

الشركات الصغيرة والمتوسطة فقدت جزءًا من عمالها الماهرين.

سوق التكنولوجيا يعاني من نقص كفاءات وهجرة عقول متسارعة.

تكلفة العمالة ترتفع، ما يرفع بدوره تكلفة الإنتاج ويؤثر على التنافسية.


هذه المؤشرات لا تظهر في رقم الناتج المحلي فقط، بل في الانكماش الفعلي لأداء الشركات.


رابعاًالتضخّم وتراجع الاستهلاك


الإنفاق العسكري الضخم يزيد الطلب الحكومي → يرفع الأسعار → يضغط على الأسر.

وفي الوقت ذاته، يؤدي العجز المرتفع إلى:

احتمالات رفع الضرائب.

تقليص خدمات الدولة.

انخفاض القدرة الشرائية للفئات المتوسطة والمنخفضة.


تراجع الاستهلاك — وهو أكثر من نصف الناتج المحلي — يُعد ضربة مباشرة لأي تعافٍ اقتصادي.


خامساًالمخاطر الائتمانية وفقدان الثقة


وكالات التصنيف، التي خفضت النظرة المستقبلية لإسرائيل بعد حرب غزة، تنظر بعين القلق إلى استمرارنموذج اقتصاد الحرب.

ميزانية دفاع تقارب 5٪ من الناتج المحلي تعني لإسرائيل:

دين أكبر.

استقرار مالي أقل.

تكلفة اقتراض أعلى.

هشاشة أكبر أمام الصدمات الخارجية.


وهذا يُضعف قدرة إسرائيل على شن أو تحمّل صراع طويل مدى، سواء في غزة أو لبنان أو الإقليم.


سادساًقراءة استراتيجية – ماذا يعني ذلك؟


من زاوية استراتيجية أعمق، فإن ارتفاع حصة الجيش من الناتج المحلي يعني أن إسرائيل:

1. تستنزف قوتها الاقتصادية لصالح قوتها العسكرية.

2. تتحرك ضمن نموذج “الاقتصاد التسليحي” الذي ينهك الدول على المدى المتوسط.

3. تُحوِّل تفوقها التكنولوجي المدني إلى تفوق عسكري، مع خسارة ميزتها الاقتصادية التاريخية.

4. تعاني تآكلًا صامتًا في جبهتها الداخليةهجرة كفاءات، انكماش استثمار، ضربة للطبقةالوسطى.


هذا التحول البنيوي يجعل إسرائيل أكثر هشاشة أمام أزمات مالية مستقبلية، وأكثر اعتمادًا على الدعمالأمريكي، وأكثر عُرضة لتقلبات الحرب.


خلاصة تقدير الموقف


ميزانية الدفاع الإسرائيلية لعام 2026 — بقيمة 112 مليار شيكل ونسبة 4.9٪ من الناتج — ليست مجردبند مالي، بل هي إعلان عن استمرار الاقتصاد الإسرائيلي في حالة تعبئة استراتيجية طويلة المدى.


اقتصاد الحرب يقوّي الجيش مؤقتًا، لكنه يُضعف الدولة استراتيجيًا.

على المدى البعيد، هذه البنية ستُرهق إسرائيل، وتضغط على مجتمعها، وتكشف حدود قدرتها علىخوض صراع طويل.