إعداد: وحدة الدراسات الاقتصادية – معهد فلسطين للدراسات الاستراتيجية
أولًا: خلفية الموقف
أصدر منتدى المستقلين التابع للهستدروت تقريرًا في 27 تموز/يوليو 2025، كشف فيه عن إغلاق نحو 33,000 مشروع تجاري في إسرائيل خلال النصف الأول من عام 2025، مقارنة بـ19,000 مشروع جديد فقط تم افتتاحها. ويُعدّ هذا الرقم استمرارًا لمسار الانكماش الاقتصادي الذي تصاعد خلال عام 2024، والذي شهد بدوره إغلاق نحو 65,000 مشروع تجاري.
تكمن أهمية هذه الأرقام في كونها مؤشرًا مركزيًا على التحولات البنيوية العميقة التي يمر بها الاقتصاد الإسرائيلي نتيجة الحرب الممتدة في غزة منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، والمعروفة باسم عملية طوفان الأقصى، والتي دخلت شهرها الحادي والعشرين دون أفق سياسي أو اقتصادي واضح.
ثانيًا: أبعاد الأزمة الاقتصادية الحالية
1. ضرب البنية التحتية للمشاريع الصغيرة والمتوسطة
تشير الإحصاءات إلى أن الغالبية الساحقة من المشاريع المغلقة تنتمي إلى فئة المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر، والتي تُعد العمود الفقري للاقتصاد الإسرائيلي، خصوصًا في قطاعات الخدمات، التقنية، التجارة المحلية، والمهن الحرة. انهيار هذه المشاريع يُفقد السوق مرونته المجتمعية، ويزيد من نسب البطالة والفقر المحلي.
2. التراكم الزمني للأزمة (2024–2025)
البيانات الحديثة تُظهر أن وتيرة الانهيار لم تتباطأ منذ عام 2024، بل تسارعت. يشير ذلك إلى دخول الاقتصاد الإسرائيلي في مرحلة الانكماش الذاتي المستمر، حيث أصبحت تكاليف الحرب، وانعدام الاستقرار السياسي، وتراجع ثقة المستهلكين والمستثمرين، عناصر متداخلة تُسهم في تفكيك السوق من الداخل.
3. هروب رؤوس الأموال وتباطؤ المبادرة الاستثمارية
مع تراجع عدد المشاريع الجديدة إلى 19,000 فقط مقابل 33,000 إغلاق، يبرز بوضوح فقدان الجاذبية الاستثمارية للداخل الإسرائيلي، لا سيما في ظل استمرار العمليات العسكرية، واستنزاف الاحتياطات المالية العامة، وتراجع تصنيفات الائتمان الدولية.
ثالثًا: المؤشرات التحذيرية المستقبلية
• تضاؤل قدرة الحكومة على تحفيز الاقتصاد بسبب ارتفاع النفقات الأمنية والعسكرية وتراجع العوائد الضريبية.
• توسّع قاعدة الفئات الهشة من العاملين لحسابهم، مما ينذر بانفجار اجتماعي محتمل في أوساط الطبقات الدنيا والوسطى.
• زيادة معدلات الهجرة المعاكسة، خصوصًا من قبل الشرائح الريادية، ما يضعف الموارد البشرية في القطاعات الحساسة.
• ضغط متصاعد على منظومة التأمينات الاجتماعية وصناديق الدعم، مما سيهدد الاستقرار المالي الداخلي للدولة.
• تنامي فجوة الثقة بين الجمهور والحكومة، وانكشاف النخبة الاقتصادية أمام عجزها عن التعامل مع حالة “الاستنزاف الزاحف”.
رابعًا: السيناريوهات المحتملة
1. استمرار الانهيار
استمرار وتيرة الإغلاق والركود مع غياب أي حلول بنيوية واقعية مرتفع
2. إنعاش مؤقت
تدخل حكومي محدود يوقف النزيف مؤقتًا دون معالجة جذور الأزمة (الحرب والاحتلال) متوسط
3. انفجار اجتماعي
تصاعد الاحتجاجات والإضرابات نتيجة الضغوط الاقتصادية والاجتماعية متوسط إلى مرتفع
4. تغيير في التوجه السياسي تصاعد الضغوط الداخلية يُجبر النظام على تغيير استراتيجياته الأمنية أو السياسية ضعيف – حاليًا
خامسًا: التوصيات الاستراتيجية
1. التركيز الإعلامي على بُعد الانهيار الاقتصادي في إسرائيل كأداة ضغط شعبي داخلي.
2. دعم الدراسات الاقتصادية الفلسطينية التي توثق الانعكاسات الاقتصادية للحرب الطويلة على الجبهة الداخلية الإسرائيلية.
3. استثمار حالة الإنهاك الاقتصادي في تسويق خطاب المقاومة الممتدة كعامل صمود وردع فعال.
4. تفعيل المسارات القانونية الدولية للحديث عن الانهيار الداخلي كأثر مباشر للسياسات العدوانية والحصار الجماعي على غزة.
5. التحذير من محاولات تحويل الانهيار إلى مبرر لمزيد من القمع والتطرف، خصوصًا ضد الفلسطينيين داخل الخط الأخضر.
خاتمة
إن ما يحدث اليوم داخل الأسواق الإسرائيلية ليس مجرد ركود اقتصادي عابر، بل هو علامة على تفكك داخلي يتنامى تحت وطأة حرب لا أفق لها. لقد بدأ الاحتلال يدفع جزءًا من الثمن الداخلي المستحق على سياساته التوسعية والعنيفة، وستكون القدرة على تسليط الضوء على هذا الانهيار أحد أدوات المواجهة المعرفية للمشروع الصهيوني في المرحلة المقبلة.